سياسة «القلوب والعقول» مطلوبة في الساحل

6. نوفمبر 2025

كُشِفَت العديد من حالات خطف وهمية في الساحل السوري على أنها جزءاً من استراتيجية يعمل عليها فلول الأسد والدول الداعمة لهم، لخلخلة الأمن. آخر هذه الحالات كانت لفتاة من أبناء الطائفة العلوية تدعى نغم عيسى عندما ظهرت عبر تسجيل مصور من لبنان تنفي فيه إشاعة موتها التي أكدته العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي بداية شهر فبراير/شباط الماضي، ووُجّهت فيها الاتهامات المباشرة لعناصر قوات الأمن السورية الجديدة. 

تُسجَّل يومياً حالة خطف أو اختفاء لفتاة من نفس الطائفة، فتتولى صفحات توثيق معادية للحكومة السورية على تثبيت هذه الواقعة، مع الاتهام المباشر لعناصر ملثمة وبسيارة تحمل لوحة ادلب بالوقوف خلفها. ثم سرعان ما تختفي هذه الحالة من تلك المواقع بعد يوم أو يومين عند عودة الفتاة إلى أهلها. ثم يتلوها روايات عن حالات خطف يتحدث عنها ناشطين معارضين للحكومة السورية الحالية ظهروا حديثاً في أوروبا، ولم يسمع بهم أحد من قبل، وكل ذلك عبر مواقع قيل إنها تُدار بأيادٍ إيرانية في لبنان والعراق.

تستغل هذه التلفيقات خلفية حقيقية ومؤلمة. فقد وقعت انتهاكات خطيرة بحق مواطنين علويين في شهر آذار، كما أكد تحقيق أجرته الحكومة نفسها، لكن ما يميز هذا النمط هو كيفية مزج الحوادث الحقيقية بالمفبركة لطمس المسؤولية وتأجيج التوترات الطائفية.

يحدث ذلك مع تجييش مستمر لمنع أي انخراط للعلويين في الأنشطة المدنية، فيُمنع مثلاً المشاركة في ترميم مدرسة أو توزيع سلل إغاثية يُرفع فيها علم سوريا الجديد، ويخاطر بحياته من يتعاون مع الحكومة الحالية بأي نشاط، كما حصل مع جعفر علي درميني، وهو مدني من مدينة سلحب في ريف حماة تعرض للتعذيب قبل أن تقتله مجموعة مسلحة. 

منطقة مضطربة

ولقد وفرت محدودية الانتشار الأمني في مناطق أرياف حماه، حمص، طرطوس واللاذقية فرصة لبعض الفلول المسلحين التنقل وإعادة الانتشار وتنفيذ الاستهدافات، خصوصاً خلال الليل، حتى أصبح التنقل خلال ساعاته خطيراً حتى عبر الطرق الرئيسية. 

وقد لجأت الحكومة السورية بعد أحداث الساحل إلى تطبيق آلية أمنية جديدة تعتمد على تنفيذ عمليات مدروسة يقودها العميد عبد العزيز الأحمد، وتستهدف كبار المتورطين في سفك الدماء، كان آخرها اعتقال النائب العام العسكري اللواء نائف صالح درغام، وقائد الشرطة العسكرية اللواء أكرم سلوم العبد الله، ممن خدموا في زمن نظام الأسد. فقد تنجح هذه الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويل، وربما تتطلب أعواماً من العمل الدؤوب والمتابعة والرصد الاستخباراتي. كما أفضت عمليات التسوية التي أطلقتها وزارة الداخلية أيضاً إلى نتائج مهمة في هذا السياق لتأكيد دولة القانون كركن أساسي في سوريا الجديدة.

المطلوب: مقاربة مطورة

إلا أن المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي في مثل هذه الحالات، ولا بد من تعزيز التعاون المجتمعي بين أبناء الساحل كَكُل. مثلاً تستطيع الحكومة تنظيم مهرجانات ومعارض تسوّق في مناطق مثل صافيتا، دريكيش، سلحب، ومحردة. أو تنفيذ أنشطة في المدارس والمراكز الثقافية يحضرها مشايخ الطائفة العلوية. إن خطوات كهذه كفيلة بتقليل حدة التوتر والشحن ضد الحكومة، وربما تعزيز التواصل بين مكونات الشعب، وتسهيل عودة انخراط المجتمع العلوي في سوريا الجديدة. 

دعونا لا ننسى اعتماد المجتمع في الساحل وغرب سوريا على الزراعة في تأمين معيشته، فلماذا لا تدعم الحكومة الإنتاج والتسويق؟ وبها يشعر المواطن أن الدولة تعمل لمساعدته في تأمين قوت يومه. وهنا أجزم أن هذا الدور إن طُبِّقَ سيكون عاملاً حاسماً في منع الأيادي الخارجية من العبث بأمن المنطقة. فطريقة التعاطي الأمني الحالية تحدّ من الحركة الاقتصادية والسياحية في عموم مناطق الساحل. 

تعمل الحكومة على حماية المجتمع العلوي عبر عمليات معقّدة وطويلة، أشبه ما تكون بعمليات جراحية تستأصل من خلالها كبار المجرمين، إلا أن عليها أيضاً بذل المزيد لتُعيد انخراط المجتمع العلوي مع بقية مجتمعات سوريا. ومن شأن تعزيز الروح المعنوية والشعور بالانتماء إلى الوطن الجديد أن يساهم في رأب الصدع الاجتماعي وتعزيز السلام والاستقرار.

Cover image

محمد خطيب

ناشط وصحفي وعامل في المجال الإنساني. كان يكتب تحت اسم سليم العمر. facebook.com/Muhammed.Hatib1986

أحدث الأعداد

  • نوفمبر 2025

    عدد 29

  • سبتمبر 2025

    عدد 28

  • أغسطس 2025

    Issue 27

  • يوليو 2025

    Issue 26

  • يونيو 2025

    Issue 25

اشترك ليصلك آخر أعداد مجلة سوريا المتجدّدة إلى بريدك الإلكتروني.

* يشير إلى الحقول المطلوبة
العربية