روج آفا تقلد أتاتورك في نُفورها من العربية

11. ديسمبر 2025

اعتنقت أقوام أوروبا المتنوّعة بلغاتها الغربية والسلافية المسيحية مع تنصَّر ملوكها، فتنصّرت شعوبها من غير أن تسأل عن أصل المسيح ولا عن عِرقه، ونُسي أصله الفلسطيني، ونسي أصل أمه الناصرية، لصالح أصله الإلهي؛ فهو في المعتقد المسيحي «ابنُ الله». يمكن التذكير بالطرفة التي رواها السفير السوري الشاعر عمر أبو ريشة، في لقائه الأول مع الرئيس الأمريكي كينيدي عام 1961 عند تقديم أوراق اعتماده سفيراً لسوريا، فقد سأله كينيدي عن السوريين، فأجابه أبو ريشة مازحاً: «جدُّنا السوري يسوع المسيح هو ربُّكم يا سيدي»، فأُعجب كينيدي بجوابه الطريف.

أتاتورك نموذجاً

اعتنق الكرد الإسلام، ودخلوه أفواجاً، وبرز منهم أعلام كثيرون يذكرهم المثقفون الكرد باعتزاز؛ منهم ياقوت الحموي، وابن خلكان، وأحمد شوقي، وعبد الباسط عبد الصمد. القائمة طويلة، وأشهرهم صلاح الدين الأيوبي. غير أنّ القومية المستجدّة، التي برزت مع إنشاء حزب العمال الكردستاني في تركيا، وهو حزب يساريّ المعتقد، لاتيني الهوى، جمع لاحقاً بين النقيضين؛ إذ دعمتْه الولايات المتحدة، مع أنّه يساريّ البنية، وهو قوميّ معادٍ للمحيط الإسلامي التركي والعربي، وأقلّ عداءً للإيراني، بل إنه نزّاع إلى الشيعة لتعظيمهم عليّاً كما يرد في أدبيات الحزب، واتخاذه قدوة ثورية ضد السلطان العربي الأموي. 

اختار الحزبُ الحرفَ اللاتيني للكتابة على غرار النهج الأتاتوركي الذي انفصل عن التاريخ العثماني والتحق بالغرب. استيقظ التركي فوجد نفسَه في «العالم الأول» بزيّ غربي وحرف لاتيني، بينما يعيش في الحقيقة عيشة أهل العالم الثالث. فهل اتخذ الكرد من عدوهم أتاتورك قدوة؟ إنها لمن مفارقات الأقدار!

لكنّ الكُرد مسلمون سُنّة في معظمهم، يصومون رمضان، ويحتفلون بالعيدين، ولهم عادات شعبية أصيلة. وكانوا قبل نصف قرن متوافقين مع جيرانهم، يتزاوجون مع العرب، ويجاورونهم، ويشاركونهم طعامهم، بل يلبسون الأزياء العربية. وتظهر صور وجهاء الجزيرة الكرد بزيّ الشماغ والعقال.

قطع الصلات مع العربية

وقد برزت في الآونة الأخيرة نزعةٌ معاديةٌ للعربية أو مفارقة له، خاصة مع إعلان الإدارة الذاتية الطامحة إلى الفيدرالية، ويعتقد كثيرون أنها قناعٌ للاستقلال، واسمها يوحي بذلك. وإعلاميوها ونخبتها ينكرون على سوريا اسم «الجمهورية العربية السورية» الرسمي، مع أنّ العرب فيها الأغلبية، ويطلقون اسماً كردياً على الإقليم المشكّل من عرب وكرد وسريان.

إنّ هذا النزوع الكردي القومي الطارئ ليس من الدين ولا من التاريخ وهو تاريخ مشترك، ولا من أدب الجوار، ولا من السياسة في شيء

ومن دلائل ذلك أنّ شيخاً شهيراً دُعي لخطبة الجمعة في جامع قاسمو في القامشلي مؤخراً؛ فخطب بالكردية، وكان بإمكانه أن يقرأ الآيات والأحاديث بالعربية ثم يشرحها بالكردية، فخرج العرب من المسجد احتجاجاً. وظهرت نخبة كردية على الفضائيات تتحدث عن «الغزو العربي» و«الاحتلال العربي» للأرض الكردية. أمر يشبه اعتبار القوميين العرب الفتح العثماني غزوا تركياً. إن هذا يجعل الدين في مواجهة القومية الكردية. وعليه، فمن غير المستغرب أن يكون صلاح الدين الأيوبي في نظر بعض الكرد خائناً لأنه بنى دولة للمسلمين وليس للكرد وحدهم!

يكثر بعض الكرد من ذكر البراهين على نسب إبراهيم عليه السلام الكردي، لنشأته في بلاد الرافدين، بل يذهب آخرون إلى أن أصل النبي محمد ﷺ كردي، لأنه ابن إسماعيل ابن إبراهيم الكردي المولود في نينوى حسب أشهر الأقوال، أو ابن هاجر المصرية الأعجمية، وأنه «استعرب». ينسى هؤلاء أن الأصل في الإسلام هو التقوى، وألا ينظر إلى الأنساب بل الأعمال، وأن كلكم لآدم وآدم من تراب، و«إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم»، وأنه لا يمكن أداء العبادات إلا بالعربية، ولا يمكن تعلّم الإسلام والتفقه بالدين إلا بتعلّم العربية.

يندر، بل يستحيل، أن تجد أفغانياً أو باكستانياً يتبرّم من عروبة النبي عليه الصلاة والسلام. بل يفد عشرات الألوف من المسلمين من إندونيسيا والصين وسواها من ديار المسلمين إلى البلاد العربية لتعلّم القرآن وحفظه. في حين أن التركي الأتاتوركي إذا سُئل: مَن نبيّك؟ قال: محمد، ثم سُئل: أهو عربي؟ قال: معاذ الله، هو تركي!

خطأ جسيم

إنّ أقواماً من الترك الثائرين على العثمانيين، كانوا يتبرّمون بالعربية، ويُنكرونها تقرّباً إلى الدول التركية الحديثة التي أسسها أتاتورك، الذي كان يضطهد كل من يكتب بالعربية. وقد أزيلت في الجزيرة السورية كلّ اللافتات العربية بعد استدعاء بشار الأسد لهم من قنديل عام 2012، وعوقب مدرسون كانوا يعلّمون العربية، وأغلقت المدارس العربية، ويعاقَب حالياً كل من يحتفل بمرور سنة على سقوط النظام.

إنّ هذا النزوع الكردي القومي الطارئ ليس من الدين ولا من التاريخ وهو تاريخ مشترك، ولا من أدب الجوار، ولا من السياسة في شيء.

العودة إلى الأعلى
Cover image

أحمد عمر

كاتب سوري

اشترك ليصلك آخر أعداد مجلة سوريا المتجدّدة إلى بريدك الإلكتروني.

* يشير إلى الحقول المطلوبة
العربية